تشارلز داروين و"اللغز الفظيع" الذي قضّ مضجعه حتى مماته

تشارلز داروين و

أول من قام بصياغة نظرية التطور عن طريق الانتخاب الطبيعي هو داروين في كتابه «أصل الأنواع» عام 1859، العملية التي تتغير فيها الأحياء بمرور الوقت بسبب التغير في السمات الجسدية والسلوكية الموروثة.

التغيرات التي تسمح للأحياء بالتكيف في بيئتها ستساعد على نجاتها وحصولها على ذرية أكثر.

نظرية داروين هي التطور عن طريق الانتخاب الطبيعي وهي أحد أفضل النظريات الجوهرية في تاريخ العلم، مدعومةً بتشكيلة واسعة من الأدلة في علم المتحجرات، الجيولوجيا، علم الوراثة وعلم الأحياء التنموي.

تتكون نظرية دارورين من نقطتين مهمتين، كما يقول براين ريتشموند، المسؤول عن قسم أصل الأنسان في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك.

«كل أشكال الحياة على الأرض متصلة ومرتبطة بعضها ببعض»، وهذا التنوع في الحياة هو نتاج «الانتخاب الطبيعي، حيث ان بعض الصفات يتم تفضيلها في البيئة على حساب البقية»، كما قال.

للتبسيط، يمكن تسمية النظرية «الانحدار مع وجود بعض التعديلات»، كما تقول بريانا بوبنر، عالمة الأنثروبولوجيا في معهد سميثسونيان في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في واشنطن، المتخصص في دراسة أصل الأنسان.

يتم وصف النظرية في بعض الأحيان «البقاء للأصلح»، ولكن هذا الوصف من الممكن ان يكون مضلل، كما تقول بوبينر. كلمة «الأصلح» هنا لا تعني قوة الكائن الحي او قدرته الحيوية، ولكن قدرته على النجاة والتكاثر.

على سبيل المثال، وجدت دراسة تمت على 1900 طالب بخصوص التطور البشري، والتي تم نشرها في مجلة Personality and Individual Differences في أكتوبر عام 2017، أن الكثير من الناس يجدون صعوبة في الحصول على شريك بسبب التطور السريع للغاية في التكنولوجيا الاجتماعية والتي تتطور أسرع من البشر.

«ما يقارب شخص من كل شخصين يواجه صعوبة كبيرة في مجال التزاوج»، كما قال المؤلف الرئيسي للدراسة مينيلاوس ابوستولو، الأستاذ المساعد في العلوم الاجتماعية في جامعة نيقوسيا في قبرص.

«في معظم الحالات، هذه الصعوبات ليست بسبب وجود خطأ ما، ولكن بسبب كون الناس يعيشون في بيئة مختلفة تمامًا عن البيئة التي تطوروا ليعيشوا بها.»

نظرية داروين عن أصل الحيتان
في الطبعة الاولى لكتاب «أصل الأنواع» عام 1859، تكهن تشارلز داروين بخصوص كيف من الممكن للانتخاب الطبيعي جعل الثدييات البرية تتحول الى ثدييات بحرية مثل الحيتان.

وكمثال افتراضي، استخدم دارون الدببة السوداء في أمريكا الشمالية، المعروفة بالتقاطها للحشرات عن طريق السباحة في الماء فاتحةً فمها:

«انا لا أجد اي صعوبة في تحول سلالة الدببة، عن طريق الانتخاب الطبيعي، الى كائن مائي أكثر في بنيته وعاداته، بفم أكبر وأكبر، إلى أن يتطور كائن عملاق كالحوت»، كما قال. لكن لم يتقبل الناس هذه الفكرة بصورة جيدة.

أصيب داروين بإحراج شديد بسبب السخرية التي تعرض لها، ولهذا قام بحذف فقرة الدب السابح في النسخ القادمة من كتابه. لكن يعلم العلماء الآن أن داروين كان لديه الفكرة الصحيحة ولكن الحيوان الخاطئ. فبدلاً من النظر الى الدببة، كان يجب عليه النظر الى الأبقار وفرس النهر.

إن قصة أصل الحيتان هي إحدى أجمل قصص التطور وأحد أفضل الأمثلة التي يمتلكها العلماء بخصوص الانتخاب الطبيعي.

الانتخاب الطبيعي
لفهم أصل الحيتان، من الضروري معرفة كيف يعمل الانتخاب الطبيعي وهو نظرية داروين الأساسية في التطور.

يستطيع الانتخاب الطبيعي تغيير الأنواع بطريقة صغيرة، مسببًا تغيرات في الحجم او اللون للسكان على مدار عدة اجيال. يسمى هذا «التطور الصغري».

ولكن الانتخاب الطبيعي قادر أيضًا على القيام بأكثر من هذا، بإعطائه الوقت والتغيرات التراكمية الكافية، يستطيع الانتخاب الطبيعي تكوين أنواع جديدة، ويسمى هذا «التطور الكبروي». من الممكن أن يحول الديناصورات الى طيور، الثدييات البرمائية الى حيتان وأسلاف القرود الى بشر.

خذ مثال الحيتان -بأخذ التطور كدليل وبمعرفة كيف يعمل الانتخاب الطبيعي، تمكن علماء الأحياء من معرفة كيفية تحول الحيتان الأولية من اليابسة الى الماء بسلسلة من الخطوات المتوقعة.

تطور الثقب الجليدي (أحد عضوي التنفس للحوت)، على سبيل المثال، من الممكن أن يكون قد تم بالطريقة التالية:

تسببت التغيرات الوراثية العشوائية في وضع فتحات الأنف لحوت واحد على الأقل في مكان متراجع أكثر في الراس.
أصبحت الحيوانات هذه بهذا التغير ملائمة أكثر للحياة البحرية، بما أنها لا يجب أن تخرج بصورة كاملة للسطح لكي تتنفس.
حيوانات كهذه ستكون ناجحة أكثر ولديها ذرية أكثر.
وفي الأجيال التالية، تحدث تغيرات جينية أكثر، وستتحرك فتحات الأنف إلى الخلف أكثر.
تغيرت الأجزاء الاخرى للحيتان البدائية.
أصبحت السيقان الأمامية زعانف.
اختفت السيقان الخلفية.
وأصبحت أجسامها انسيابية أكثر وتطورت أذيالها لمساعدتها على الحركة في الماء.
ووصف داروين نوع آخر من الانتخاب الطبيعي يعتمد على نجاح الكائن الحي في اجتذاب الزوج، تسمى هذه العملية بالانتخاب الجنسي. الريش الملون للطاووس والقرون الموجودة لدى ذكر الغزال هما مثالين على الصفات التي تطورت بهذا النوع من الانتخاب.

ولكن داروين لم يكن العالم الأول أو الوحيد الذي ذكر نظرية التطور. فعالم الأحياء الفرنسي جيان بابتيست لامارك جاء بفكرة كون الأحياء من الممكن أن تمرر صفاتها إلى ذريتها، على الرغم من أنه كان مخطئًا بخصوص بعض التفاصيل.

وفي نفس وقت دارون، جاء عالم الأحياء البريطاني ألفريد روسل والاس بفكرة التطور والانتخاب الطبيعي بصورة مستقلة، بالنتيجة نظرية داروين لم تكن وحيدة ولكنها الأشهر لأنها تضمنت افتراضات صحيحية أكتر من سواها وشكلت علم التطور الحالي.