"تزوج من يشبهك".. هل يمكن لعلم الأحياء أن يخبرك بالشخص المناسب للزواج؟


في عالمنا اليوم، إما أن يتزوج المرء بشخص يطابقه في السمات الخارجية، وإما أن يتزوج بشخص مختلف عنه كليا. فهل يمكن لعلماء الأحياء تفسير أسرار انجذابنا لأشخاص معينين؟ هناك عِلم وراء الانجذاب، وقد يكون أكثر تعقيدا من الفيزياء، وأكثر غرابة بكثير حتى. لقد عرف ألبرت أينشتاين ذلك أكثر من أي شخص آخر؛ ففي الثلاثينيات من عمره، وقع أينشتاين في حب ابنة خالته إلسا لدرجة أنه ترك زوجته الأولى لأجلها. كان هو وإلسا على قرابة من جهة الأب وجهة الأم، بما أن والدتيهما شقيقتان ووالديهما أبناء عمومة. في رسالة مؤرخة بعام 1914، كتب الفيزيائي إلى حب حياته يقول: "أيتها العزيزة إلسا، سأعتزُّ بك وأكون شاكرا لحبك. لقد أثبتِّ أنك شعرت بالانجذاب إلى جوهري، وليس إلى الشخص المشهور في الصحف".

ومع ذلك، بعد مُضي بضع سنوات، كان أينشتاين يستعد لفسخ خطوبته منها، معلنا حبه لقريبة أخرى، هي ابنة إلسا البالغة من العمر عشرين عاما، إلسي. وكتبت إلسي إلى صديقتها: "ألبرت يرفض اتخاذ أي قرار بنفسه؛ إنه مستعد للزواج بوالدتي وبي في آن. أعلم أن ألبرت يحبني كثيرا، وربما أكثر من أي رجل آخر، لقد أخبرني بذلك في الأمس". في السنة التالية، عاد أينشتاين إلى مخططه الرئيسي، وتزوج من والدتها.

قد يبدو هذا السلوك محيّرا لرجل بمكانة أينشتاين الفكرية، لكنه منطقي تماما من منظور علماء الأحياء التطورية. من أبناء العمومة إلى الأزواج بفارق كبير في السن، ومن الأزواج المتشابهين إلى أولئك المختلفين كليا، يمكن لقوى الجذب أن تبدو عشوائية وغير قابلة للتفسير. لكن هذه القوى تبدو غامضة فقط لأنها تعمل على أساس غريزة بدائية وراء فهمنا الواعي. حتى أكثر الأزواج غرابة يستند ارتباطهم، إلى حد ما، إلى حسية تطورية ظهرت على مدار آلاف السنين: "أنا معجب بك، إنك تشبهينني".

كسائر المخلوقات الأخرى، فإننا ننجذب إلى شركاء يشبهوننا. يُعتبر ذلك جزءا من ظاهرة يطلق عليها علماء الأحياء "التزاوج المتلائق"، حيث تتزاوج الحيوانات ذات الصفات المتشابهة فيما بينها بمعدلات لا يمكن أن تُفسَّر على أنها محض مصادفة. هذا هو السبب في أن الضفادع اليابانية الشائعة تفضّل الضفادع من حجمها نفسه، والسبب وراء ميل إوز الثلج، الذي يمتاز بريشه الأزرق أو الأبيض، إلى اختيار شريك من لونه نفسه.

يبدو العديد من الأزواج البشر متشابهين أيضا، ويكون تشابههم في بعض الحالات لافتا للنظر. تشترك هولي وآدم أندرسون بلون عينيهما الأزرق وشعرهما الأشقر وارتسامة وجهيهما وملامحهما المتماثلة لدرجة أن من الممكن الاعتقاد بأنهما إخوة ما لم يعرفا عن نفسيهما كزوجين. التقى الزوجان في الكلية. بالنسبة لآدم، كان حبًّا من النظرة الأولى، اتصل بوالدته في تلك الليلة وأخبرها أنه قابل المرأة التي يريد الزواج منها. استغرقت هولي وقتا أطول قليلا لبلوغ هذه المرحلة، وعلّقت على ذلك قائلة: "لقد فوجئت بمدى ارتياحي له. عندما بدأت بمقابلته، ساورني شعور بأنني أعرفه منذ وقت طويل". وجاءت خطبتهما في غضون شهرين من لقائهما. الآن، هما والدان لأربعة أطفال، يقومان بترميم العقارات وإدارة نشاط تجاري للإرشاد العائلي.

الأزواج المتشابهون لديهم معايير تقليدية للجاذبية، ولكن حتى هذه المعايير لها جذور بيولوجية تفوق فهمنا الواعي. يزعم علماء الأحياء التطورية، سواء أدركنا ذلك أم لا، أننا نترجم سمات معينة كمؤشرات لقيمة الزوج، وهي علامات تدل على أن الشريك المحتمل يتمتع بصحة جيدة وبالخصوبة، أو مؤهَّل بدرجة عالية جسديا واجتماعيا للإنجاب والتربية.

يقول غالوب: "إن التزاوج مع شخص له سماتي المشابهة يعني احتمالا أكبر لإنجاب ذرية تحمل سمات وجينات عالية الجودة"
هذه الأحكام ليست خاطئة؛ في دراسة عام 2010 لعِلم الانجذاب الجنسي، كشف عالِما النفس التطوري، غوردون غالوب من جامعة ولاية نيويورك ألباني وديفيد فريدريك من جامعة كاليفورنيا، عن أن السمات التي يعتبرها الناس جذابة على نطاق عالمي مثل الوجوه المتناظرة (Symmetrical Faces) تتوافق حقًّا مع المزايا التواؤمية التي يبحث عنها الناس في شريك حياتهم. وأفاد الباحثان أن "الاكتشافات الحديثة تُظهر وجود روابط مذهلة بين الوجوه والاختلافات الداخلية في الصحة والحيوية والخصوبة". حيث وجدت إحدى الدراسات أن كلًّا من الرجال والنساء الذين صُنّفوا بامتلاكهم الجاذبية يعيشون لفترة أطول من أقرانهم الأقل جاذبية. ووجدت دراسة أخرى أن النساء يعتبرن بأن الرجال الذين يمتلكون وجوها جذابة هم بالتبعية أكثر خصوبة.

ويقول غالوب: "إن وجودك يشير إلى حقيقة أنك تحمل جينات ممتازة بشكل معقول، وإلا فإنك لن تكون هنا. إن التزاوج مع شخص له سماتي المشابهة يعني احتمالا أكبر لإنجاب ذرية تحمل سمات وجينات عالية الجودة. خلاصة القول هي إن أفضل طريقة لتوريث جيناتك إلى الجيل القادم هو إقرانها بجينات شخص يتمتع بصحة جيدة وخصب ومنسجم معك وراثيا".

إن كانت السمات المتشابهة تعني جينات متشابهة، فهل يعني ذلك أننا ننجذب إلى أقربائنا؟ يجيب علماء الأحياء عن السؤال بنعم ولا. لم يكن أينشتاين أول ولا آخر شخص يقع في حب قريبته. في عام 1850، كان الأزواج في المتوسط من أبناء العمومة من الدرجة الرابعة، وفقا لدراسة في السلالة والنسب من عام 2018 تفحصت 86 مليون حساب على الإنترنت، معظمهم من أوروبا الغربية وأميركا الشمالية. لم تتمدد فروع أشجار العائلات حتى أواخر القرن التاسع عشر. بحلول عام 1950، كان الأزواج تقريبا من أبناء العمومة من الدرجة السابعة في المتوسط.

لكن المواقف تجاه زواج الأقارب نسبية، ففي العديد من الثقافات، لا يزال المجتمع يرحب بالزواج من أبناء العمومة. وقد وجدت دراسة أُجريت عام 2015 عن مجتمعات لاتينية في الولايات المتحدة والمكسيك وبورتوريكو أن الأزواج في المتوسط من أبناء العمومة من الدرجتين الثالثة والرابعة. في الواقع، وجد الباحثون أن الجينات المشتركة هي عامل أكبر في اختيار شريك حياتك من العوامل الاجتماعية والاقتصادية ومستويات التعليم المشابهة لما يمتلكه الفرد.

كيف يكون تشارك الجينات إحدى المزايا التطورية إن كان تداخل الجينات المتشابهة يعمل ضد فرصنا في إنتاج ذرية سليمة؟ لأن هناك عند درجة مناسبة من الوراثة؛ عندما يكون على الجينات أن تكون متشابهة ولكن ليس بصورة مفرطة، يطلق علماء الأحياء عليها "تزاوج الأباعد الأمثل" كما أوضح روبرت بوريس، وهو عالِم نفس في جامعة بازل في سويسرا.

يمكن أن يؤدي زواج الأقارب إلى زيادة نسبة الجينات المتنحية الخطيرة، مما يؤدي إلى نشوء نسل ضعيف المناعة، إضافة إلى زيادة نسبة العيوب الخلقية. وزواج الأباعد المفرط يمكن أن يعوق أيضا النجاح الإنجابي لأنه ينحو لفصل الجينات التي تعمل جيدا عن بعضها البعض، كما أنه يعطل الجينات التي تتكيف مع البيئة المحلية. لدى البشر والحيوانات الأخرى، يكون المستوى المتوسط من صلة القرابة هو الأفضل، وهو ما أكّدته العديد من الدراسات. لقد تتبّعت إحدى هذه الدراسات كل زوجين معروفين في أيسلندا من مدة هي 165 عاما، وخلصت إلى أن المستوى الأمثل للارتباط كان ما بين أبناء العمومة من الدرجة الثالثة والرابعة.

نحن مبرمجون سابقا للبحث عن مستوى معين من الشبه العائلي في شركائنا
ويقول بوريس: "إن التطور يهتم بتوريث الجينات ونقلها، لكن الجينات التي نملكها موجودة لدى أشخاص آخرين أيضا. من خلال التزاوج مع شخص مشابه لك، قد تحصل على هِبة مميزة، حيث تورّث جيناتك وتزيد من احتمال أن تورّث جيناتك التي تشاركها مع شريكك أيضا".

نحن مبرمجون سابقا للبحث عن مستوى معين من الشبه العائلي في شركائنا. وجدت دراسة أُجريت في عام 2017 أنه عندما عُرِضت صور لمجموعة مختلفة من الرجال، كانت النساء أكثر انجذابا لأولئك الذين يشبهون أشقاءهن. يمكن تفسير ذلك جزئيا من خلال ميلنا إلى الثقة في الأشخاص الذين يبدون مألوفين. لكن التشابه العائلي يمكن أن يساعدنا أيضا في التعرف على شريك محتمل يمتلك مستوى مثاليا من الشبه الوراثي بيننا وبينه. وكتبت تامسين ساكتون، وهي بروفيسورة في علم النفس في جامعة نورثمبريا في إنجلترا: "بالرغم من أن الأشقاء أنفسهم ينفرون من بعض جنسيا، فإن الشريك المشابه للأشقاء ليس منفّرا".

لقد تطورنا بحيث نتقزز من فكرة تقبيل أشقائنا الحقيقيين، وهناك حواجز بيولوجية لضمان عدم حدوث ذلك. أحد هذه الحواجز يطلق عليه "تأثير ويسترمارك" أو التطبّع الجنسي المعاكس (The Westermarck Effect): الأشخاص الذين ينشأون معا عادة لا يشعرون بالانجذاب لبعضهم البعض. وإن لم يكن كل من يكبرون معا من الأقارب، فإنه من وجهة نظر تطورية فمن الأفضل أن تكون آمنا على أن تكون آسفا. تضيف غالوب أنه للوقاية من حوادث أوديبية [نسبة إلى عقدة أوديب، وهي مفهوم أنشأه سيجموند فرويد بعد أن استوحاه من أسطورة أوديب الإغريقية، وهي عقدة نفسية تطلق على الذكر الذي يحب أمه ويتعلّق بها، ويكره والده ويغير منه على أمه. م.]، تطور الآباء بحيث ينفرون من رائحة أجساد أطفالهم عند سن البلوغ.

تكمن المشكلة، كما اكتشف أوديب بنفسه، في أن الأقارب الذين لا يلتقون حتى سن الرشد يكونون غير مجهَّزين بهذه الحواجز البيولوجية. وجود أشقاء تربّوا بعيدا عن بعضهم البعض ثم دخلوا في علاقات عاطفية مع بعضهم البعض عندما كبروا قبل أن يدركوا أنهم أقارب ليس بشيء جديد. وينطبق ذلك على التوائم غير المتشابهين (أخ وأخت) اللذين فُصلا عند الولادة وتربى كل منهما بعيدا عن الآخر، لكنهما اجتمعا في وقت لاحق في حياتهما ليمرا بتجربة علاقة عاطفية فيما بينهما دون إدراكهما أنهما إخوة، وهو ما ذكرته نانسي سيغال، بروفيسورة علم النفس ومديرة مركز الدراسات التوءمية في جامعة ولاية كاليفورنيا/ويليرتون. وتضيف: "إن أوجه الشبه بينهما هي على الأرجح سبب انجذابهما لبعضهما البعض، ويصفانه بأنه انجذاب شديد على نحو غير عادي".

وغالبا ما يجد التوائم الذين لا يعرفون أنهم توائم أنفسهم منجذبين لبعضهم البعض اجتماعيا بطرق غير رومانسية. في كتابها الصادر عام 2017، "خرافات تصورات التوءم" (Twin Mythconceptions)، تحكي نانسي سيغال قصة توءم كندي يبلغان من العمر عشرين عاما، نشآ بعيدا عن بعضهما البعض، والتقيا لاحقا في الكلية ولم يكن لديهما أي فكرة عن قرابتهما، ولكنهما سرعان ما أصبحا صديقين مقرّبين. وبصرف النظر عن الشبه الجسدي الجلي، فإنهما يشتركان في الذوق نفسه في الأفلام حيث يحبان الأفلام القديمة وألعاب الطاولة والإحصاءات الرياضية؛ أوجه تشابه كانا قد نسباها إلى مصادفة مدهشة لا أكثر. اكتشفا أن ذلك لم يكن مجرد مصادفة وأنهما توءم عندما تبادلا الحديث عن قصص عن طفولتهما، حيث اكتشفا أنهما كانا في دار الأيتام نفسها في الوقت نفسه.

كانت إيفي غولدشتاين تُنازع سرطان البنكرياس عندما ناقشت موضوعا حساسا مع زوجها البالغ من العمر 29 عاما. كانت على شفير الموت، وأرادت منه أن يمضي في حياته بعد رحيلها. يتذكّر مارك غولدشتاين البالغ من العمر 52 عاما الآن: "عندما حاولَتْ إيفي في البداية خوض هذا النقاش معي، رفضتُ وأخبرتها أننا لن نناقش هذا الموضوع. وسمحتُ لها بالحديث عن ذلك عند محاولتها للمرة الثالثة". أخبرته إيفي بأنها تريد له حياة هانئة بدونها، وأرادته أن يتزوج مجددا. كان لديها حتى بعض المرشحات في بالها، كانت إحداهن شقيقتها التوءم "بيبي"، التي فقدت زوجها بعد صراعه مع سرطان الدم قبل بضع سنوات.

لم يكن من غير المألوف أن يتزوج أخو الزوج الراحل أو أخت الزوجة الراحلة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر
بعد مرور عام على وفاة إيفي، نفّذ مارك اقتراحها وطلب مواعدة بيبي التي فوجئتْ في البداية، لكنها قررت منحه فرصة. ففي نهاية المطاف، كانت تعرف مارك منذ أن قابل إيفي لأول مرة، عندما كانوا طلابا في السنة الأولى في جامعة سينسيناتي في عام 1974. وتقول بيبي: "لقد عرفت بالفعل كم هو رجل عظيم. كنت أعرف الكثير عنه، بالطبع. كنت أعرف مدى إخلاصه لإيفي ولعائلته، ومدى لطفه". بالطبع، كانت هناك فترة من التكيف، سواء كان ذلك للزوجين أو لعائلاتهما وأصدقائهما. يقول مارك: "كان الأمر غريبا جدا في البداية. لقد كان الأمر غريبا ومريحا في آن واحد. لقد خضنا غمار ذلك مع العلم أنه يستحق تحمّل أي إحراج وغرابة قصيرة المدى ناجمة عنه".

لم يكن الزواج بأخت الزوجة الراحلة أو بأخي الزوج الراحل أمرا غير عادي؛ على مدار التاريخ كان من الأعراف، على سبيل المثال هناك قانون "زواج السلفة" اليهودي القديم [زواج الأرملة من شقيق زوجها أو زواج الأرمل بأخت زوجته. م.]، وكان يتطلب هذا القانون رجلا مات شقيقه دون أن ينجب أطفالا ليتزوج بأرملة أخيه. وبغض النظر عن الدين، لم يكن من غير المألوف أن يتزوج أخو الزوج الراحل أو أخت الزوجة الراحلة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، عندما كان ترمّل الشباب والشابات شائعا، خاصة بالنسبة للرجال الذين ماتت زوجاتهم أثناء الولادة.

لكن هذه الممارسة جعلت الناس غير مرتاحين تاريخيا. أصبحت هذه الزيجات غير قانونية في المملكة المتحدة وفقا لقانون الزواج لعام 1835؛ واعتبرت كنيسة إنجلترا أن الأصهار والنسائب أقارب مقرّبون، وبالتالي لا يصلح زواجهم من بعضهم البعض. ألغى البرلمان هذا الحظر في عام 1907. ويمكن لقوة هاملت الراسخة [في مسرحية هاملت، تزوجت أمه من عمه. م.] أن تعكس شكا كامنا في أن الجاذبية بين الأرملة وسلفها يمكن أن تكون قائمة بالفعل.

من وجهة نظر بيولوجية، يرى غالوب أنه من المنطقي أن ترتبط بزوجة أخيك الراحل أو أن ترتبطي بزوج أختك الراحلة. بالنسبة للأشخاص في سن الإنجاب، تُعتبر هذه طريقة لإنتاج ذرية تشبه وراثيا تلك الخاصة بالزوج المتوفى أو الزوجة المتوفاة. وهي طريقة لضمان رعاية أطفال الزوج الراحل أو الزوجة الراحلة بشكل جيد، لأنه من المفترض أن يشعر العم أو الخالة بالارتباط بالأطفال أكثر من أي زوج أو زوجة آخرين لا صلة لهم بالأطفال. ويوضح غالوب: "لدينا الكثير من البيانات التي تُظهر أن استثمار الناس في أفراد العائلة يتناسب طرديا مع جيناتهم المشتركة".

قام التوءم المتطابق كريغ ومارك ساندرز بفعل كل شيء معا تقريبا، بما في ذلك التقدّم لخطبة زوجاتهما. في عام 1999، باستخدام حاسوبهما المحمول المشترك، قاما بتصميم موقع على شبكة الإنترنت للتقدّم لخطبة صديقاتهما في آن واحد. كانت صديقاتهما ديان ودارلين نتيماير توءما متطابقا أيضا. كانوا قد التقوا قبل ذلك بعام في مهرجان "أيام التوائم" (Twins Days) السنوي في توينزبورغ في أوهايو، والذي يستقطب التوائم من جميع أنحاء الولايات المتحدة. وقد انجذب كريغ إلى ديان فور لقائهما. وكما أخبر عالِمة النفس نانسي سيغال لاحقا: "تمتلك ديان سمات ألطف وأكثر رقّة"، كما اعتقدت ديان أيضا أن كريغ ألطف. بينما فضلت دارلين مارك، ووصفت تفضيلها له بـ: "إما الحظ أو القدر".

يقول كريغ ومارك إنهما لو ارتبطا بهما بشكل عكسي، لما نجحت علاقتهما، وتوافقهما ديان ودارلين الرأي. بينما يتشابه ذوق كريغ ومارك بالنساء، من الواضح أنهما لم يتشاجرا أبدا بسبب فتاة. يقول كريغ: "أعتقد أننا قد انجذبنا بالفعل إلى النوع نفسه من النساء، لكن ليس بالضرورة إلى الفتاة نفسها".

يتفق معظم التوائم المتطابقة على أنهم لم يعجبوا أبدا بالشخص نفسه، سواء انتهى بهم المطاف بالزواج من توءم متطابق أم لا. تجد سيغال هذا الأمر محيّرا، وتقول: "أظن أن التوائم تنجذب إلى الشخص نفسه، ولكن بمجرد أن يرتبط أحدهما بهذا الشخص، يتراجع الآخر فورا". لكن التوائم أشخاص مختلفون أيضا، على الرغم من الصفات الجسدية والنفسية التي يتشاركونها. تعلّق سيغال على ذلك: "يفترض الكثير من الناس أن التوائم قابلون للتبادل أو أن أحدهما يمكن أن يحل محل الآخر، لكنهم ليسوا كذلك. عندما ندرس هذه الحالات، يمكننا أن نجد عناصر سلوكية أو فيزيائية دقيقة يمكن أن تؤثر على الانجذاب من عدمه". وتضيف موضحة: "عندما يقول كريغ إن زوجته تمتلك وجها ألطف وأكثر رقة، فإنه فارق دقيق، ربما يكون اختلافا طفيفا في الملامح أو شكل الوجه، لكن هذا الاختلاف يُحدِث فارقا". وبالطبع هناك اختلافات شخصية أيضا.

وتفتَّح الحب بين أزواج آخرين في مهرجان "أيام التوائم". في مهرجان العام الماضي، تزوج جوش وجيريمي ساليرز من التوءم المتطابق بريتاني وبريانا دين في احتفال مشترك. كانوا قد التقوا في المهرجان في العام السابق، وكانت كلتا المجموعتين من التوائم تأمل دائما في العثور على أزواج توءم أيضا. وتشرح بريتاني: "في علاقاتنا السابقة مع غير التوائم، واجهنا مواقف شعر فيها الشخص الذي نواعده بالتهديد أو الغيرة من علاقتنا بتوءمنا. في عالم المواعدة، غالبا ما يبحث الناس عن نصفهم الآخر، لكني بالفعل أمتلك نصفي الآخر حرفيا".

لقد أدركتا أن الأشخاص الوحيدين الذين يفهمون عمق الرابطة بين التوأم هم توائم آخرون. شعر جوش وجيريمي بالأمر ذاته. في الواقع، لقد قررا ألا يتزوجا أبدا ما لم تكن زوجاتهما توائم. يقول جوش: "هذا أحد الأسباب التي ألهمتنا للذهاب إلى المهرجان. فكرنا بأننا ربما سنجد التوءم الذي نريده هناك، وقد حدث ذلك بالفعل". مثل كريغ ومارك، انجذب جوش وجيريمي على الفور إلى المرأتين اللتين أصبحتا زوجاتهما لاحقا، وهو ما شعرت به زوجتاهما أيضا. تقول بريتاني: "لقد اخترنا شريكنا على الفور".

يعيش أربعتهم معا ويأملون يوما ما في فتح عمل تجاري معا حتى يتمكنوا من العيش والعمل جنبا إلى جنب. يشتركون في حساب مصرفي واحد ويخططون لتربية أطفالهم في منزل واحد. تشرح بريانا: "قد يظن بعض الناس أن هذا أمر غير عادي ولكن بالنسبة لنا فإنه يبدو طبيعيا للغاية".

يُطلق على التوائم المتزوجين من توائم آخرين "الزواج الرباعي"، ويكون الأطفال من كلا الزوجين أشقاء كاملين (من يمتلكون الأب والأم نفسيهما)، لأن الوالدين والوالدتين يمتلكون جينات متطابقة. في مقال نُشر عام 1972 في صحيفة نيويورك تايمز، أشاد أستاذ الطب النفسي الراحل كورنيل روبرت رافيتش بهذه "الكميونات الطبيعية" [وهي مجتمعات متعمّدة بها مجموعة من الأفراد يعيشون معا. م.] كحل لمشكلات الزواج الحديث وتربية الأطفال، وهو نموذج لبقيتنا. وتساءل روبرت رافيتش: "هل يجب أن تقتصر هذه المزايا الاقتصادية والاجتماعية والنفسية على الزواج الرباعي للتوائم المتطابقة؟". رأى أن هذه العلاقات الوثيقة والأسر المعيشية المشتركة "تشير إلى مفهوم أسهل للأسرة والزواج يستحق دراسة متأنية وجادة".

ومع ذلك، فهناك عدد قليل نسبيا من التوائم المتطابقة يتزوجون توائم متطابقة أخرى. في الواقع، أظهرت الأبحاث أن أزواج وزوجات التوائم لا يشبهون بعضهم بتاتا (عندما لا يتزوج التوائم من توائم). تقول سيغال: "إنه أمر مثير للدهشة، لأن التوائم المتطابقة يميلون إلى أن يكون لديهم أذواق وتفضيلات مماثلة وحتى أصدقاء متشابهون، ولكنهم يميلون إلى اختيار أزواج وزوجات مختلفين للغاية". بشكل عام، تؤكد دراسات التوائم أن الانجذاب غامض ويصعب تحديده، ويختلف من شخص لآخر.

كانت آمبر سولتي تمتلك فكرة واضحة عما كانت تبحث عنه في شريك حياتها: رجل أصغر منها سنا، لدرجة أنها أطلقت مشروعها الخاص في المواعدة السريعة لمساعدة نفسها في العثور عليه. لفترة طويلة، قامت بمواعدة رجال من سنها نفسه أو أكبر منها سنا، ولكنها وجدتهم غير نشطين ومرحين كفاية مقارنة بما أرادته بشريكها، وبدا أن العديد منهم عالقون في طرق تفكير عفا عليها الزمن حول أدوار الجنسين. تقول سولتي البالغة من العمر الآن 43 عاما: "لقد كانت علاقتي أفضل مع الرجال الأصغر سنا الذين لم تكن لديهم أفكار تقليدية عفا عليها الزمن. والأهم من ذلك، لم يشعروا بالخوف والضعف عند ارتباطهم بامرأة أكثر نجاحا منهم من الناحية المالية".

ووجدت الرجال الأصغر سنا أكثر جاذبية. لذلك عندما قابلت خوان كابريرا البالغ من العمر الآن 36 عاما، شعرت بالانجذاب نحوه على الفور. لقد انتقل مؤخرا إلى الولايات المتحدة من جمهورية الدومينيكان، ولم يتقن الإنجليزية بعد آنذاك، وكان بينهما عدد ضئيل من القواسم المشتركة. تقول سولتي: "أعتقد أننا تواعدنا بداية بسبب عوامل جذب وكيمياء جسدية. ولكني وقعت في حب خوان بسبب لطفه وحبه ودعمه لي". إنهما متزوجان الآن ولديهما ابنة واحدة.

هل يمكن للعلم أن يفسر لماذا ينجذب الأفراد المختلفون في بعض الأحيان، وكيف تجمع الاختلافات بين أشخاص من خلفيات عرقية متنوعة، فضلا عن تزوج طوال القامة بقصار القامة، والسِّمان بالنِّحاف، والأزواج الذين يفصل بينهما فارق كبير في السن؟ يقول علماء الأحياء إن ذلك ممكن بطبيعة الحال. في حين أن هناك مزايا للاقتران بشخص مماثل، فهناك أيضا مزايا لاختيار شريك من الطرف الآخر للمجمع الجيني، خاصة عندما يتعلق الأمر بإنجاب أطفال رائعين. لقد عرف العلماء منذ فترة طويلة أن الأشخاص من العرق المختلط يُعتبرون أكثر جاذبية، في المتوسط، من أولئك الذين يمتلكون أبا وأما من العرق نفسه. ويجادل عالِم النفس في جامعة كارديف "مايكل لويس" بأن هذا الجاذبية المتزايدة قد تشير إلى زيادة التوافق الوراثي والصحة الجينية ليس فقط في صحتهم، بل في قدرات عالية في شتى المجالات.

تُظهر الأبحاث أن الأشخاص الذين يتمتعون بصفات متوسطة يُصنَّفون على أنهم أكثر جاذبية
كتب لويس في ورقة بحثية عام 2010: "يأتي ذلك من خلال الملاحظة أنه على الرغم من أن أفراد العرق المختلط يُشكّلون نسبة صغيرة من سكان العالم، فإنهم يحققون أعلى مستوى في المهن القائمة على الجدارة في التعيين والعمل، مثل تايغر وودز في الغولف، وهالي بيري في التمثيل، ولويس هاملتون في سباق الفورمولا وان، وبالطبع باراك أوباما في السياسة". علاوة على ذلك، يمكن للتنوع العرقي أن يؤدي بك وبذريتك لاختيار زوج أو زوجة ذات سمات مختلفة عنك. فكر بالنساء طويلات القامة اللواتي يواعدن رجالا أقصر منهن. تصف باولا نفسها في مقال في صحيفة واشنطن بوست بأنها "عريضة المنكبين ولكنها تخجل من مواعدة رجل أقصر من 183 سنتيمترا". أصرّت على مواعدة الرجال من قامتها نفسها حتى وقعت في حب زميلها في العمل والذي كان أقصر منها بخمسة عشر سنتيمترا. تصف باولا زوجها بأنه: "شخص ذكي، أشعر بأني على وفاق معه. لدينا مستوى رؤية واحد، ولكن ليس حرفيا".

من وجهة نظر تطورية، وفقا لغالوب فهذا اختيار معقول للشريك. ويشرح قائلا: "تميل النساء طويلات القامة بشكل غير معتاد إلى الانتظار لإيجاد رجل طويل القامة، ولكن لأن الرجال طوال القامة هم الاستثناء وليس القاعدة، فإن ذلك يقلل بدرجة كبيرة من درجة حرية النساء عندما يتعلق الأمر باختيار شريكهن. ويدفعن ثمنا باهظا لذلك، لأنه إذا كانت هناك جينات ترمز إلى طول القامة (وهناك بالفعل)، فإن الأنثى طويلة القامة التي تتزوج بذكر طويل القامة يعني أن ذريتها الأنثى ستكون على الأرجح طويلة القامة أيضا".

عادة ما تعتبر الحدود القصوى في الصفات، بما فيها طول القامة، عقبة من المنظور الإنجابي. هناك ببساطة المزيد من الشركاء المحتملين الذين يشبهونك إذا كنت تحمل صفات متوسطة. تُظهر الأبحاث أيضا أن الأشخاص الذين يتمتعون بصفات متوسطة يُصنَّفون على أنهم أكثر جاذبية. قد يفسر ذلك سبب انجذاب الأشخاص العاديين نحو أشخاص عاديين آخرين، بينما قد يختار الأشخاص الاستثنائيون بطريقة ما شركاء استثنائيين على نحو يختلف عنهم تماما. يقول غالوب: "سواء اجتذب الأضداد أم لا، فإن ذلك يعتمد على مدى اختلافك. إن الآليات التطورية ستحثّك على الارتباط بالأشخاص في الطرف الآخر من التوزيع السكاني، مما سيمكّنكما من إنتاج نسل يقع مباشرة في الوسط".

وكما أشار سفين بيرغن، فإن اختيار زوج مختلف عنك سيلفت نظر الغرباء. إنها ليست مجرد مشكلة للنساء طويلات القامة والرجال قصيري القامة. وجدت دراسة أُجريت في عام 2016 أن ما يسمى بالأزواج مختلفي الوزن حيث كان أحد الشريكين أسمن من الآخر يميلون إلى إثارة ازدراء المراقبين، أكثر من الأزواج المتشابهين حيث كلا الشريكين إما سمينان وإما نحيفان. وخلص الباحثون إلى أن ازدراء هؤلاء الأزواج لم يكن تعبيرا عن التحيز ضد الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة، بل هو شعور عام بعدم الارتياح تجاه الشركاء غير المتطابقين. يشرح بوريس: "هذا الازدراء ليس حكرا على الأزواج مختلفي الأوزان، يمكن أن يكون الفرق في العرق أو الطبقة الاجتماعية والاقتصادية أو العمر أو أي سمة أخرى. الناس متحاملون ضد الأزواج المختلفين لأنهم مختلفون".

يبدو أن أولئك الذين يختارون شركاء يشبهونهم يتوقعون من الآخرين أن يفعلوا الأمر ذاته، طالما أنهم لا يظهرون متشابهين جدا. وبينما يمكن للعلماء أن يفهموا ما يبدو أنه خيارات غريبة للزوج أو الزوجة، فإنهم لم يدرسوا بعد مسألة المتفرجين الذين يصدرون أحكاما على الآخرين. إن كيفية إرضاء الجميع قد تظل لغزا، حتى علماء الأحياء لا يستطيعون حله.
———————————————————————–
المصدر: مواقع إلكترونية